السبت، 12 نوفمبر 2011

عز الدين القسام - بين الدعوة والجهاد


عز الدين عبد القادر مصطفى يوسف محمد القسام من مواليد (1300 هـ / 20 نوفمبر 1871 - 1935) في مدينة جبلة الأبية في محافظة اللاذقية في سوريا. والده عبد القادر بن محمود القسام. كان منذ صغره يميل إلى العزلة والتفكير. تلقى دراسته الابتدائية في كتاتيب بلدته جبلة ورحل في شبابه إلى مصر حيث درس في الأزهر وكان من عداد تلاميذ الشيخ محمد عبده والعالم محمد أحمد الطوخي. كما تأثر بقادة الحركة النشطة التي كانت تقاوم المحتل البريطاني بمصر .
وفي مصر، كان يصنع الحلويات ويبيعها ليعيل نفسه. كان صديقه عز الدين التنوخي يستحي ويختبئ، فكان يقول له أنَّ المفروض أن يتباهى، وعندما جاء والد عز الدين التنوخي ليسأل عن ابنه وعرف خبره قال له أن عز الدين القسام علّمك الحياة. عاد مرة في شبابه من السفر إلى جبلة، فطلب منه والده أن يصطحبه ليسلّم على الآغا فرفض بشدة، وقال أن المقيم هو الذي يأتي ليسلّم على القادم.

العودة إلى سورية

لما عاد إلى بلاده سوريا عام 1903، عمل مدرسا في جامع السلطان إبراهيم وأقام مدرسة لتعليم القرآن واللغة العربية في مدينة جبلة. في سنة 1920 عندما اشتعلت الثورة ضد الفرنسيين شارك القسام في الثورة، فحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه وإكرامه بتوليته القضاء، فرفض ذلك وكان جزاؤه أن حكم عليه الديوان السوري العرفي بالإعدام. قاد أول مظاهرة تأييداً للليبيين في مقاومتهم للاحتلال الإيطالي، وكون سرية من 250 متطوعاً، وقام بحملة لجمع التبرعات،


رئيس جمعية الشبان المسلمين

التحق بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً لها عام 1926. كان القسام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين.




في فلسطين

لجأ القسام إلى فلسطين في 5 شباط 1922 واستقر في قرية الياجور قرب حيفا. ولجأ معه من رفاق الجهاد الشيخ محمد الحنفي والشيخ علي الحاج عبيد وحتى سنة 1935 لم يكن سكان حيفا يعرفون عن عز الدين القسام سوى أنه واعظ ديني ومرشد سورى ورئيس جمعية الشبان المسلمين في مدينة حيفا وكان بنظرهم شيخا محمود السيرة في تقواه وصدقه ووطنيته كما كانت منطقة الشمال تعرفه إماما وخطيبا بارعا ومأذونا شرعيا في جامع الاستقلال، وهو الذي سعى في تشييده، وقد جمع المال والسلاح لنجدة المجاهدين في طرابلس الغرب أثناء حملة الإيطاليين عليها.في عام 1929 أشيع أن اليهود يريدون أن يحرقوا مسجد الاستقلال بحيفا، فاقترح بعض الوجهاء أن يطلبوا المساعدة من الإنكليز، لكن الشيخ القسام رفض رفضا قاطعا وقال أن دمنا هو الذي يحمي المسلمين ويحمي مساجد المسلمين وليست دماء المحتلين. كان يرفض أي حوار أو معاهدة مع الإنكليز ويقول (من جرّب المجرّب فهو خائن) فقد جرّب بعض العرب الإنكليز ضد العثمانين وكانت كل وعودهم كذبا.
في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال : (من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا)، فؤخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما. كان يقول للناس في خطبه : هل أنتم مؤمنون؟ ويجيب نفسه لا، ثم يقول للناس إن كنتم مؤمنين فلا يقعدنّ أحد منكم بلا سلاح وجهاد. كان يركّز على أن الإسراف في زخرفة المساجد حرام، وأن علينا أن نشتري سلاحا بدل أن نشتري الثريات الفاخرة. كان يصل إلى جميع الناس من خلال عمله كمأذون شرعي وكخطيب. وكان يختلف كثيرا مع الشيوخ لأنهم كانوا لا يهتمون سوى بأمور العبادة من صلاة وصوم بينما كان اليهود يخططون ويشترون الأراضي. فكان يرى أن لا فصل بين الدين والسياسة، وأمور السياسة كانت واضحة بعد أن نال اليهود وعد بلفور. كما كان في شجار مع المستعجلين من أبناء تنظيمه الذين يريدون الثورة في حين كان القسام يعدّ ويتريّث ليضرب في الوقت المناسب فلبث سنين وهو يعدّ للثورة.

 
تكوين الخلايا السرية


واستطاع القسام تكوين خلايا سرية من مجموعات صغيرة لا تتعدى الواحدة منها خمسة أفراد، وانضم في عام 1932 إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وأخذ يجمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة. وتميزت مجموعات القسام بالتنظيم الدقيق، فكانت هناك الوحدات المتخصصة كوحدة الدعوة إلى الجهاد، ووحدة الاتصالات السياسية، ووحدة التجسس على الأعداء، ووحدة التدريب العسكري...إلخ.
ولم يكن القسام في عجلة من أمر إعلان الثورة، فقد كان مؤمناً بضرورة استكمال الإعداد والتهيئة، لذا فإنه رفض أن يبدأ تنظيمه في الثورة العلنية بعد حادثة البراق عام 1929 لاقتناعه بأن الوقت لم يحن بعد.

استشهاد الشيخ عز الدين القسام

علم الشعب لأول مرة أن الشيخ القسام كان قد اعتصم مع إخوانه في أحراش قرية يعبد وكانوا مسلحين ولا يهابون خطر المجابهة مع قوات الانتداب البريطاني ولا عواقبها، إلا أن قوات الأمن كانت قد أعدت قوة هائلة تفوق عدد الثوار بمئات المرات وكانت كقطيع كبير من الجيش مصممة على القضاء على الشيخ عز الدين وأتباعه فلذلك أحاطت القوات بالمنطقة منذ الفجر ووضعت الشرطة العربية في الخطوط الهجومية الثلاث الأولى من ثم القوات البريطانية، وقبل بدء المعركة نادى أحد أفراد الشرطة العربية الثائرين طالبا منهم الاستسلام فرد عليه القسام صائحا "إننا لن نستسلم، إننا في موقف الجهاد في سبيل الله ثم التفت إلى رفاقه وقال موتوا شهداء في سبيل الله خير لنا من الاستسلام للكفرة الفجرة" دامت المعركة القصيرة ساعتين كان خلالها الرصاص يصم الآذان والطائرات المحلقة على ارتفاع قليل تكشف للمهاجمين موقع الثوار وقوتهم وفي نهاية الساعتين أسفرت المجابهة عن استشهاد القسام ورفاقه يوسف عبد الله الزيباري وسعيد عطيه المصري ومحمد أبو قاسم خلف وألقى الأمن القبض على الباقين من الجرحى والمصابين.
اكشفت قوات الامن عند نهاية المعركة مع الشيخ ذي اللحية البيضاء والمجندل على التراب بملابسه الدينية مصحفا وأربعة عشر جنيها ومسدسا كبيرا وكان الشيخ نمر السعدي ما زال حيا جريحا حيث استطاع صحفي عربي أن ينقل عن لسانه أول الحقائق الخفية عن عصبة القسام وكانت هذه الحقيقة دليلا على أن المجابهة المسلحة هذه كانت بقرار بدء الثورة منهم جميعا. كانت العناوين البارزة في الصحف (معركة هائلة بين عصبة الثائرين والبوليس) و(حادث مريع هز فلسطين من أقصاها إلى أقصاها) وانطلقت بعدها العديد من الثورات المؤازرة لها في العالم العربي وكان منها ثورة عجلون في الأردن في عام 1937م.

من القصائد التي نظمت في رثاء القسام 



إفــــتــــتــــحْ بــــالــــفــــــداء والآلامِ
مـــَنــــهـــج الـــحــق يـــا دمَ الــــقســــام
وَمــُــرِ الـــقــوم أن يـــكـــفـّــوا عــــن الــــقـــول
فــلــم نــنـتــفـــعْ بــِـصـَـــوْغِ الـكــــلامِ
إنـــمــا نــحــن فــي بــلاء عـــظــيــــم ٍ
لــيس يـُــجـْــدي بــه ســـوى الصِّـمـصـامِ
مـَـــنْ رســــولــي إلـيـك؟ أُلــقــي إلــيــه
كـــيـــف زلـــــزلـــتَ دولـــة الأوهـــامِ
كـــيـــف أبـــطلــتَ فــــي انــصــبــابــك
لـلــحــق، زكــيـــاً عـــبـــادة الأصـنــامِ
يــا دمــــاً لــــم يــُـــرَقْ عـــلــى ســُـــرر
الـــذل ولــكــن أُهـــريــقَ فــي الآجـــامِ
قــــد طــويــتَ الــقــرون حـتـى شَــهِدنــا
بـــــك عـــهـــد الــنــبــي والإسـلامِ
فــتــرة فـــي الـحــيــاة إن تــَــكُ يـــومــاً
إنـــمـــا نــيّــفــت عـــلــى ألــف عـــامِ
***
قـــم إلى غـــاب " يــعــبــدٍ " غـــيــر وانٍ
قـــم إلــى ذلـــك الــمــكــان الــحـــرامِ
وَسَـــلِ الــغــاب عــن عــصــابــة صــدقٍ
حــيـنـما اقــبــل الــنــهــار الـــدامــي
مَوضِعٌ لـــو يـــجـيـب أصــدُقُــكَ الـقــولَ
وخــــيــر الــحــديــث عـــنــد حـَـــــذامِ
فــَـرِحَـتْ بـالــنـّـــزال إمــــا لــنــصــرٍ
أو إلــــى مــيـتـــة الأُبــــاةِ الـــكـــرامِ
والأبــيُّ الــكــريــم أشــهــى لــديــه
مــن مــذاق الــخــنــوع, طـــعــم الــحـِـمــامِ
أحـــدق الــجند بـالــكــمـاة وكـانـوا
قـــاب قــوســيـن مــن رصــاص الـرامــي
وَهــُـمُ يَـنـْسـِـلـون مـــن كـــل حَـــدْبٍ
ويــدبـّــون تـــحـــت جُـــنــــح الــــظـــلامِ
أخــذوا لــلــقــتـال عــــدّتـــه الــقــصــوى
وشــقـّـوا لــه ســبــــيــــل الـــتــــمــــامِ
إيـــهِ جـــنـدَ الـبــغـاةِ غـــيـر بـــعـيـــدٍ
يــومــكـم مــــن مَــصــارع الأيـــــاِم
وإذا نِــلْــتُــمُ مـــن الـغـــاب وتـْـــراً
فــهــو لــم يـَــخْــلُ بَـعْــدُ مــن ضِــرغـــاِم
واتــــى الــــفـــجــر مُــــؤْذِنــاً بــقــــراعٍ
عـــــبــــقــــريٍّ لــــلـــــه والأرحـــــــِام
لـــيس مــن اجــل مــنــصــبٍ مــــتــداعٍ
مـــــوشـــكٍ أن يـُــداسَ بــالأقــــــداِم
مَـطـلــب الشــعــب أن يُــرى مسـتــقــلاً
رافـــــلاً فــــي ســــيـــادة وســــلامِ
ورأى الــغــاب بـعــــد ذاك نـــــزالاً
شــاب مــنــه الــرضـيــع قــبــل الــفــطـــامِ
أقــــدم الــثــائــرون فــيــه عــلــى
الـــمــــوت جــريــئــيـن أيــُّـــمــا إقــــــدامِ
يـَـتـَـلَــقـّـون بــالــصــدورِ رصــاصَ
الـــجــنــد طـَــوْراً ، وتـــــارةً بــــالـــهـــــامِ
ولـــهـــم كَــــرّةٌ تــهــــز الــرواســي
ومــضـــاءٌ يـَــفـِــلّ حـــدّ الـــحســـــامِ
إن إيــــمــــانـــهــم إذا فــصّــلــوهُ
لـــم يــطــق حــمــلـــه جــمــيــع الأنــــامِ
بــرزوا يــتــبــعــون شـيــخــاً جـــلـيــلاً
مــن قــدامــى الــمــشــائـخ الأعــــــلامِ
مــا رأتْ مــنــه جــاثــمــات الــرزايــا
غـــيــر نـَــدْبٍ مُــــجـَـــرّبٍ مــقـــدامِ
دون مـــا يــرتــضــي كــبــار الأمــانـــي
دون مـــا يـــسـتـطــيــع عــزم الــهُــمـَـامِ
فــَــرَمَــوْهُ مـــن نـــارهـــم بــــشــواظٍ
فـــتــردّى عــــلــى الــثــرى بـــوســــامِ
وقــفــةٌ لــم يـُـدانـِـهــا فــي عُــلاهــا
غــيـــر أيــام خــالــدٍ فــي الــشــــامِ
***
مــوطــنــي إنْ يـَـلـُـمـْـكَ غــيــري فــإِنــي
لــســتُ يــا مــوطــنــي مـــن الــلـُّـوامِ
حَـــقُّ مـــن قــدّم الــضــحـايـا تِــبــاعا
أنْ يـُـنـَـحـّـى عــن مـَـوْضـــع الإِتـّـهــامِ


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق